متى يكون التدريب هو الحل المناسب؟
من السهولة افتراض أن العاملين يحتاجون إلى تدريب. في كثير من الحالات يكون ذلك الافتراض غير صحيح. وعندما يكون الافتراض غير صحيح يكون التدريب هدرًا للمال ومضيعة للوقت. بل حتى لو كان الافتراض صحيحًا فقد لا يكون التدريب هو الحل. المهارة وحدها لا تضمن نجاح الموظف في عمله إذ هناك عوامل كثيرة أخرى تسهم في أداء الموظفين والعاملين وتؤثر على إنتاجيتهم، وبالتالي تؤثر على أداء المؤسسة.
أسباب انخفاض الأداء البشري كثيرة ومتعددة، وأن ضعف التدريب، أو قلته، هو أحد هذه الأسباب وتأثيره لا يتجاوز أكثر من 15%.
السؤال الآن، ماذا عن العوامل الأخرى التي تتسبب في 85% من حالات ضعف الأداء البشري؟
استحوذ هذا الأمر على اهتمام الباحثين لسنين عديدة حتى توصلوا إلى حل المشكلة بتطوير نموذج "تكنولوجيا الأداء البشري" (Human Performance Technology HPT) الذي يُطلق عليه أيضًا نموذج "تحسين الأداء لبشري" (Human Performance Technology HPT). تُستخدم في هذا النموذج مجموعة كبيرة من وسائل التدخل المستمدة من العديد من المجالات الأخرى، بما في ذلك إدارة الجودة الشاملة، وتحسين العمليات، وعلم النفس السلوكي، وتصميم النظم، والتطوير التنظيمي، وإدارة الموارد البشرية.
يجيب بوب ميغر (Mager, 1992) عن التناقض الظاهر بين كون التدريب مهمًا وضروريًا من ناحية، وكون 80% منه مضيعةً للوقت والمال من ناحية أخرى، بجملة من القواعد، هي:
- القاعدة 1: يكون التدريب ملائما عند تحقق شرطين:
- هناك أمر لا يعرف العاملون كيفية القيام به.
- يحتاج هؤلاء العاملون إلى أن يكونوا قادرين على القيام بهذا الأمر.
- القاعدة 2: إذا كان العاملون يعرفون كيفية القيام بالأمر، فإن التدريب لن ينفع.
- القاعدة 3: المهارة وحدها غير كافية لضمان الأداء المطلوب.
- القاعدة 4: لا يمكن خزن التدريب: يمكنك فقط استخدامه أو فقدانه.
- القاعدة 5: يمكن للمدربين أن يضمنوا المهارة، ولكنهم لن يستطيعوا ضمان الأداء في العمل.
- القاعدة 6: يكون المديرون فقط، وليس المدربين، مسؤولين عن الأداء في العمل.
إذن تطوير المهارات وحده لا يمكنه رفع الأداء وزيادة الإنتاجية. فهناك عوامل أخرى تؤثر على ذلك. وبالتالي فإن تطوير المهارات يجب أن يتكامل مع استراتيجيات أوسع لكي يعطي ثماره في رفع الإنتاجية وتطوير القوى العاملة.
لتوضيح ذلك يمكن تصور ما يلي:
- الشخص المناسب في المكان غير المناسب.
- الشخص غير المناسب في المكان المناسب.
- الشخص المناسب في المكان المناسب تحت إدارة غير مناسبة.
- قصور في الرؤية والتركيز، والأولويات، والاتجاه.
- ظروف عمل طبيعية أو اجتماعية غير مناسبة.
- اتصال غير مناسب بين الموظفين والأقسام الأخرى في المؤسسة.
- صراعات ونزاعات لم تتم تسويتها.
- تدريب غير مناسب للعمل.
- موارد وأدوات ومعدات غير مناسبة.
المواصفات العالمية للتدريب
قامت المنظمة العالمية للمواصفات والمقاييس بتطوير مواصفات الجودة للتدريب وهو نظام ISO 10015، الذي نُشِرَ عام 1999. وقد ثبت نجاح هذا النظام العالمي كأداة لضمان فعالية التدريب في جميع أنواع المؤسسات سواء كانت عامة أو خاصة.
ينص نظام الأيزو ISO 10015 للتدريب على وجوب اتباع أربع مراحل للعملية التدريبية، هي:
- تحديد الاحتياجات التدريبية.
- تصميم التدريب وتخطيطه.
- القيام بتنفيذ التدريب.
- تقييم نتائج التدريب.
يجب ملاحظة المدخل لاستعمال هذا النظام، وهو "التعرف على فجوة الأداء". هذا الخطوة تأتي نتيجة عدد من عمليات التحليل للتأكد من أن "المشكلة" تتعلق بالتدريب وليس بمجالات أخرى. لأن مشكلات انخفاض الأداء في المؤسسات قد تتعلق بجوانب أخرى، كاستراتيجية المؤسسة، أو الوضع المالي لها، أو هيكل المؤسسة، أو غير ذلك من المشكلات التي لا يحلها التدريب. بعد التأكد من أن فجوة الأداء سببها تدني مستوى المهارات لدى العاملين، تبدأ دورة التدريب بالمرحلة الأولى أي مرحلة "تحديد الاحتياجات التدريبية". مخرجات هذه المرحلة تكون مدخلات للمرحلة الثانية "تصميم التدريب وتخطيطه"، وهكذا.
نظام الأيزو ISO 10015 مصمم لأقسام التدريب وتطوير الموارد البشرية في المؤسسات والشركات، سواء كان التدريب داخليًا أم خارجيًا، وليس الغرض منه أن يستعمله مجهزو (أي مؤسسات) التدريب. كما ليس الغرض منه أن يستعمل في العقود أو منح الشهادات. ويمكن تطبيق نظام الأيزو لجودة للتدريب ISO 10015 في جميع المؤسسات.
والخلاصة، أن التدريب ضرورة لا غنى عنها، ولا تتوقف المؤسسات عن الحاجة إليه لعدد من الأسباب منها التوسع المستمر، والتطور التكنولوجي، والاستخلاف (الإحلال) الوظيفي. ولكن التدريب لا يحل جميع مشكلات الأداء البشري في المؤسسات، فهناك عوامل كثيرة تؤثر على الأداء. لذلك يجب أن تكون الخطوة الأولى هي تحليل الأداء في المؤسسات وتشخيص أسباب ضعفه، والتأكد فيما إذا كان سبب فجوة الأداء هو تدني مستوى المعرفة أو المهارات لدى العاملين. هنا يكون التدريب هو الحل المناسب.
بقلم/ د. محمد التكريتي
خبير في الإدارة الحديثة ومدرب ومحاضر ومؤلف.
المصدر: كتاب "نظام أوبام" لتحليل وتطوير أداء المؤسسات.